محمود الخولي يكتب:"شيطان" العقاد!!

الكاتب الصحفي محمود الخولى
الكاتب الصحفي محمود الخولى

الرجل الكريم هو الساخط دائما، حيث لا يرضي ولا يطمئن ولا يستقر، إنما الإطمئنان آية من آيات الضعف، و الاستقرارعلامة من علامات الخمود.
كلمات عميد الادب العربي الدكتور طه حسين في وصفه لإبداع المفكرالكبير محمود عباس العقاد، أدبا وشعرا، كان قد زاد عليها  قوله منبهرا:
لم يعجبني العقاد لأنه يلتمس موضوعاته حيث يلتمس الناس الموضوعات، إنما من حيث لم يستطع شعراء العرب أن يلتمسوا موضوعاتهم، " العقاد يلتمس موضوعاته معنا في الأرض، ومع الشعراء في السماء، يسابق الطير، ولكنه يلتمس موضوعاته أصلا في الجحيم، والغريب أنه حين يهبط الي الجحيم، يتقن ويجيد، ويبلغ حدا مدهشا يخيل إلينا أنه من المردة والشياطين الذين يعيشون في الجحيم".
 
وينقل صديقي المستشار محمد مرشدي بركات الذي شرفني قبل  نحوعشر سنوات بنسخة هدية من  كتابه"عبقرية العقاد" -450 صفحة من القطع الكبير للناشر مكتبة جزيرة الورد- ممهورة بتوقيعه، قوله: 
 
لا أريد أن أرسل هذا الكلام إرسالا فقد يغضب العقاد، وأؤكد لكم وللعقاد أمامكم، وأنتم شهود أنا نحن الأساتذة أعلم بالعقاد من العقاد".
ولست أخفي عليكم - والكلام لعميد الأدب العربي- أني قرأت له قصيدة، لن ينقضي إعجابي بها، تبلغ مائتي بيت وعشرين، وقد أقرؤهاعشرين مرة او ثلاثين، وتستطيعون عن تبحثوا عن مثلها في الشعر القديم فلن تجدوا لها شبيها لما لها من طرافة مدهشة ومعاني جديدة.
 
أما موضوعها فشيطان، شيطان أراد العقاد أن يترجم له، ويبدو أن العقاد سئم ترجمة الناس، وسئم نقد الناس وما يكتبون وما ينظمون، فأبي إلا أن يبحث، فوفق إلي شيطان خلقه خلقا ومشي معه فأبعد في المشي، إنه خلقه في أول القصيدة وصعد معه السماء وهبط به الي الجحيم، ومن حسن الحظ أنه قتله في آخر القصيدة، هذا الشيطان غريب، خلقه وأذن له كما اذن للشيطان أن يغوي الناس ما استطاع، فهبط الي بلاد الزنج، لكنه لم يكد يري هذه البلاد وأهلها حتي ضاق بالأرض وسكانها، ورأي أنه أرفع من إغواء الزنوج، فارتحل عنهم مطوفا بالأرض، وما زال يطوف حتي بلغ بحرالعجم حيث البلا د ا لمتحضرة، وهناك استطاع ان يخدع الناس، فأخرج لهم شيئا يسمي الحق، ولكنه الإعتداء الشنيع المفزع  الذي أفسد الحياة الإنسانية إفسادا، ثم كلفه أن ينوب عنه في فتنة الناس.
 
نظر الي الناس وقد وقعوا جميعا في شركه وخضعوا لفتنته فاختقرهم، وكفر الشيطان بالشر، أرايتم شيطان يكفر بالشر؟ الطريف أن الشيطان هنا خالف طبيعته وظفر بما لم يظفر به شيطان، ظفر يالعفو، وأذن الله له في ان يصعد الي الجنة، ويعيش بين الملائكة عيشة  راضية في مكان لا سبيل الي تصوره في الشعر بأجمل من تصوير العقاد، ولكنه شيطان لا يرضيه شيء، لا يقنع بشيء، وما أسرع ما ضاق بالجنة ورفاقه الملائكة، حتي خيل الي الذين يرافقونه،هم ينظرون الي الجحيم وقد تجسد في وجهه، ثم يوحي الله الي الجنة فإذا هدوء شامل وسلام كامل وأمن وسكينة وإذا الشيطان قائم أمام جلال الله.
 
يقول طه حسين: هذا الشيطان الذي احياه العقاد وأماته، وصور لنا حياته هذا التصوير البديع، اسمحوا لي وليسمح لي العقاد، وأنا اعترف باني متأسف جدا، هذا الشيطان هو شيطان العقاد وشعره، هذا الشيطان هو سحر صاحب الفن والذي نلحظه في كل أثر من آثار العقاد أو الشعراء النابهين أمثال العقاد.
 
 في مثل هذا اليوم، الأول من يوليو سنة1889 وفقا لدار المحفوظات المصرية، وفي 28 يونيو وفقا لـ"المشدة" وهولقب السيدة والدته، ولد العقاد، ووثق المستشار بركات في كتابه قول والدة العقاد أنها وضعته قبل الشهر بيومين، وكان والده لم يصرف راتبه الشهري، فانتظرت يومين حتي تم الصرف وشراء مايلزم، أما عن شهادة الميلاد فالقول فيها أنها سجلت مولده يوم التبليغ لا يوم الميلاد.
mtelkholy@yahoo

 

ترشيحاتنا